رأي في السياسة

آخر العناوين...

25‏/6‏/2007

مفارقات قمة شرم الشيخ

القدس العربي
عبد الباري عطوان
25.06.2007




لم تعقد قمة لبحث احداث المنطقة العربية في منتجع شرم الشيخ الا وكانت المصالح الاسرائيلية وكيفية توفير الامن للاسرائيليين علي رأس جدول اعمالها، وقمة شرم الشيخ الرباعية التي تبدأ اعمالها اليوم بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ورعاية الرئيس مبارك والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني تصب في المحصلة نفسها ولن تكون استثناء.
فالقمة الرباعية الحالية تأتي بهدف دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليس في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، فهذا امر اصبح من الماضي المنقرض، وانما في مواجهة حركة حماس وانهاء انقلابها الاخير ضد الشرعية في قطاع غزة.
بمعني اوضح، ستؤسس هذه القمة، وبشكل علني غير مسبوق، لجبهة عربية ـ اسرائيلية مشتركة لمواجهة امارة حماس في غزة مثلما يحلو لبعض المحللين الغربيين والعرب وصفها، تمهيدا لجبهة اوسع ضد سورية وايران في المستقبل القريب.
فتحت ذريعة مواجهة انقلاب حماس هذا سيتم وضع استراتيجية جديدة، لدعم الرئيس عباس، والحفنة الملتفة حوله في رام الله، بالمال والسلاح بما يؤدي الي تحويل الضفة الغربية الي منطقة خضراء جديدة موسعة، تتوفر فيها كل علامات الرخاء والازدهار الاقتصادي والمعيشي، في مقابل تحويل قطاع غزة الي انبار او فلوجة اخري: حصار تجويعي خانق، وعزلة سياسية محكمة.
المشكلة الرئيسية التي تواجه الفلسطينيين في الوقت الراهن فيما يبدو لم تعد المستوطنات، ولا الجدار العنصري الذي يأكل الارض، ولا الخمسمئة حاجز التي تقطع اوصال الضفة، ولا حتي الاحتلال ومجازره المستمرة، المشكلة اصبحت محصورة في انقلاب حماس فقط، ولذلك سيعيش الفلسطينيون في نعيم، ما بعده نعيم، بعد انهاء هذا الانقلاب وعودة الاوضاع الي ما كانت عليه قبله.
الامريكان يقولون للفلسطينيين، عبر حلفائهم العرب، ما قالوه سابقا للعراقيين، اي ان المشكلة هي حماس مثلما كانت المشكلة هي صدام حسين ونظامه، ونخشي ان تكون نهاية الفلسطينيين مماثلة للنهاية التي وصل اليها العراقيون، او اسوأ.
العراقيون خسروا امنا واستقرارا، خسروا بلدا موحدا مهابا في المنطقة باسرها تحول الي مقبرة جماعية، وطارد لأهله، يهربون منه بالآلاف يوميا الي دول الجوار طلبا للسلامة. اما الفلسطينيون فقد يخسرون قليل القليل الذي تبقي لهم، وهو وحدتهم النفسية والترابية، وهوية المقاومة التي توحدهم جميعا.
حركة حماس انقلبت علي الشرعية، وان كنا نؤمن بأن الشرعية تحت الاحتلال اكذوبة ووهم، وربما تكون ارتكبت بذلك خطأ كبيرا، واقدمت علي تجاوزات مرعبة ومرفوضة ومدانة ما كان يجب ان تقدم عليها حركة اسلامية، ولكن دعونا نعكس الامور، ونسأل عن ردود فعل المجتمعين في قمة شرم الشيخ اليوم، والذين يقفون خلفهم، لو ان جماعة الامن الوقائي في غزة، هي التي اقدمت علي ضربة استباقية مماثلة، وهي كانت تعد لذلك فعلا، واطاحت بحكومة حماس المنتخبة، فهل ستعتبر هذه الضربة انقلابا علي الشرعية يستدعي هذا الغضب العربي الرسمي والعالمي؟قمة شرم الشيخ هي قمة المرعوبين من فوز حركة حماس الدموي في قطاع غزة، قمة الخائفين علي كراسيهم، وعلي الامن الاسرائيلي، فلم يكن مسموحا لها ان تفوز عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة، فكيف لها ان تنتصر، وتحسم الامور عسكريا علي الارض؟وقفنا بصلابة، وفي هذا المكان، ضد خطوة حماس هذه، وانتقدنا بشدة عمليات الانتقام الوحشية التي رافقتها، البعيدة كل البعد عن روح الاسلام وقيم العدالة والتسامح، وتحملنا بسبب ذلك الكثير وما زلنا، ومع ذلك نري ان اللجوء الي الاسرائيليين ولو بطريقة غير مباشرة والاستعانة بهم ضد الاشقاء، استعدادا لحرب جديدة هو اصلاح للخطأ بخطيئة اكبر فداحةمليون ونصف المليون فلسطيني من ابناء قطاع غزة يجب ان لا يتحولوا الي رهائن، او ورقة ضغط في ايدي هذه الجهة او تلك. نذكر الجميع، بان هؤلاء بشر ايضا يعيشون شظف العيش بفعل الحصار والجوع والحرمان المفروض من قبل هؤلاء الذين يجتمعون حاليا في شرم الشيخ.
القضية الفلسطينية يجب ان تظل بعيدة عن المخططات الامريكية لضرب ايران وسورية، والذين رفضوا قرار وزراء خارجية الدول العربية بتشكيل لجنة تقصي حقائق عما حدث في غزة، تحت ذريعة الحفاظ علي القرار الفلسطيني المستقل، يجب ان لا يوظفوا هذا القرار في خدمة هذه المخططات الامريكيةايران لم تقدم الي حماس غير ما قدمته المملكة العربية السعودية وقطر ومصر نفسها، اي الاموال، ولذلك فان اتهام وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط لايران بالوقوف خلف انقلاب حماس، وتهديدها للأمن القومي المصري بالتالي، هو كلام ساذج، ويكشف عن بدء التورط المصري في الحرب الامريكية المقبلة ضد ايران، فايران لم تقم جسرا جويا لتزويد حماس بالاسلحة في غزة، وكل هذه الاسلحة وكل الاموال التي وصلت اليها جاء معظمها عبر الاراضي المصريةانقلاب حماس نجح لأن الطرف الآخر لم يقاتل، طرف هربت قياداته الي الخارج قبل بدء المعركة باسابيع، رغم مئات الملايين من الدولارات التي انفقت علي تسليحه وتدريبه.
وقد احسن ابناء فتح صنعا عندما رفضوا الاستشهاد دفاعا عن حفنة من الفاسدين.قطاع غزة يشهد هذه الايام افضل ايامه، فللمرة الاولي ومنذ سنوات، يعم الامن، وتختفي الاسلحة، لا سرقة للسيارات، ولا عصابات مسلحة تقتل وتنهب، ولا طلقات رصاص في اعراس، ولا ملثمين، ولا اجهزة امنية تنتهك اعراض الناس، وتستخدم اشرطة فاضحة لابتزاز هذا المسؤول او ذاك، والمأمول ان نري هذا النموذج في الضفة الغربية علي ايدي حماة الشرعية .
الرئيس عباس يجب ان يتصرف، وهو المنتخب، كرئيس لجميع الفلسطينيين، وليس من حقه ان يجلس مع اولمرت، ويتحاور معه، ويرفض في الوقت نفسه الجلوس والتحاور مع اسماعيل هنية او خالد مشعل، واصدار مراسيم غير دستورية وغير ديمقراطية بالغاء مواد في النظام الاساسي دون العودة الي المجلس التشريعي المنتخب .
حركة حماس يجب ان تتخلي في الوقت نفسه، عن غطرسة تضخمت بعد نشوة الانتصار، وان تعتذر عن بعض الممارسات المعيبة، وتدرك في الوقت نفسه، انها ليست وحدها علي الساحة ولا تستطيع بالتالي فرض افكارها ورؤيتها للأمور، فهناك شريك آخر لا يقل عنها وطنية، هو فتح ذات التاريخ الحافل بالمقاومة والشهداء.
اضافة الي شركاء اخرين من الاحزاب والفصائل الاخريالأزمة الحالية تؤكد علي ضرورة الالتزام بالبوصلة الوطنية، وهي قطعا تؤشر الي ما هو عكس التحالف مع اسرائيل وامريكا، والتمسك بمبدأ الشراكة، مثلما تؤكد علي ضرورة ظهور البديل ، اي الكتلة الصامتة، كتلة الاغلبية، كتلة المستقلين، ولا بد ان يقول هؤلاء رأيهم وبصوت عال ومسموع.
كنا نتمني لو ان قمة شرم الشيخ جاءت قمة عربية صرفة تبحث كيفية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتفرض حلا عربيا علي غرار قمة الجزائر التي حققت المصالحة بين اللبنانيين، ولكن يبدو ان ذلك الزمن ولي الي غير رجعة للأسف الشديد.

ليست هناك تعليقات:

بحث مخصص