القدس العربي : عبد الباري عطوان
23/08/2007
لا يعرف الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش ماذا يفعل بحليفه السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق، فقبل يومين قال انه يشعر بخيبة الامل تجاهه وحكومته، وبالأمس وصفه بانه رجل صالح يقوم بعمل صعب وانني ادعمه .
هذا الارتباك من قبل رئيس الدولة الاعظم في العالم، يعكس حقيقة مأزق الادارة الامريكية في العراق، وهو مأزق يتفاقم صعوبة يوما بعد يوم، ولا يوجد اي امل بمخرج سريع او حتي بطيء منه.خيارات الرئيس بوش تبدو محدودة جدا، ان لم تكن معدومة، فاستراتيجيته الجديدة التي كانت آخر طلقة في جعبته، وتمثلت بزيادة عدد القوات الامريكية في العراق (30 الف جندي اضافي) لم تحقق اي تقدم حقيقي علي صعيد وقف اعمال العنف التي تحصد ارواح العراقيين، وتدفعهم للهروب الي مناطق آمنة في دول الجوار.
واذا حققت تقدما طفيفا في العاصمة بغداد، فان الهجمات تضاعفت في المحافظات الاخري، لان الذين يقفون خلفها انسحبوا اليها، وهذا ما يفسر مجزرة الايزيديين في منطقة الموصل واغتيال اثنين من ابرز المحافظين في مناطق كانت تعتبر شبه آمنة مثل محافظتي المثني والقادسية.السيد المالكي يترأس حكومة مهلهلة، تعيش عزلة غير مسبوقة، ولا تحظي بأي تأييد حقيقي في اوساط اقرب الحلفاء اليها، فنصف وزرائها اما انسحبوا منها رسميا، مثل وزراء الجماعة الصدرية وتكتل الوفاق السني، وحزب الفضيلة، او مقاطعين لاسباب متعددة. وهذه حكومة من المفترض ان تحقق المصالحة الوطنية وتعكس جميع ألوان الطيف السياسي العراقي او معظمها.
هناك شبه اجماع في اوساط المسؤولين الامريكيين علي فشل السيد المالكي في مهمته، فجميع وعوده في تحقيق الامن، وانجاز المصالحة الوطنية، ودفع عجلة التنمية لم تترجم عمليا علي الارض، بل ما حدث هو العكس تماما، فإلي جانب انسحاب الكتل السياسية الفاعلة من الحكومة، تزايدت الهجمات التي تستهدف مدنيين، وتجلي فشل القوات الامنية التي من المفترض ان تستلم المسؤولية في حال حدوث انسحاب امريكي، في هروب نصف منتسبيها علي الاقل، وبيعهم اكثر من 190 الف قطعة سلاح تسلمها هؤلاء من القوات الامريكية، ذهب معظمها الي قوات المقاومة او الميليشيات الطائفية باعتراف القيادة العسكرية الامريكية نفسها.
قوة السيد المالكي تتجسد في ضعفه، وعدم وجود اي بديل مناسب او حتي غير مناسب له، وهذا هو سبب الارتباك الامريكي تجاهه، فالسناتور الامريكي كارل ليفين رئيس لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس وأحد ابرز قادة الديمقراطيين طالب باسقاطه، والسفير الامريكي في بغداد رايان كروكر طفح كيله فيما يبدو، وخرج بتصريحات علنية قال فيها ان التقدم السياسي في العراق مخيب للآمال، وان الدعم الامريكي لحكومة المالكي ليس صكا علي بياض ، ولكن هؤلاء جميعا لا يملكون غير الكلام، وترديد ما يردده معظم المراقبين، ويبدون عاجزين تماما عن فعل اي شيء.
الرئيس بوش قال ان اسقاط حكومة المالكي شأن خاص بالعراقيين ولا يخص الساسة الامريكيين ، سبحان الله، وكأن العراقيين هم الذين وضعوا اسس العملية السياسية الحالية التي جاءت بحكومة المالكي الطائفية، وهم ايضا الذين يديرون شؤون بلادهم، واختاروا وجود مئتي الف جندي اجنبي علي تراب بلادهم معظمهم من الامريكيين وحلفائهم البريطانيين.
الطريقة الوحيدة لاسقاط حكومة المالكي هي في اجراء انتخابات تشريعية جديدة، وهذا امر شبه مستحيل، لعدة اسباب ابرزها فقدان ثقة العراقيين بالعملية السياسية الحالية وكل ما تفرع عنها من مؤسسات، فالديمقراطية المزعومة باتت مرتبطة في اذهانهم بالخديعة وانعدام الأمن، وتصاعد اعمال العنف والارهاب، والحرب الاهلية الطائفية، والتطهير العرقي، والميليشيات الدموية، وفرق الموت، والتعذيب والبطالة ومليون قتيل علي الاقل منذ قدومها مع قوات الاحتلال الامريكي.
العراقيون في الماضي كانوا ينخدعون بكلمة الديمقراطية والانتخابات العامة الحرة، التي ادمن المسؤولون الامريكيون ترديدها، لانهم اعتقدوا انها ستجلب لهم الأمان والرخاء، ولكن بعد ان شاهدوا ما حل في بلادهم من خراب وتمزيق، وبعد ان رأوا الساسة الفاسدين الذين انجبتهم هذه الانتخابات وعمليات النهب العلنية التي مارسوها لثروات البلاد، كفروا بهذا المصطلح، وباتوا يحنون، او معظمهم الي ايام الدكتاتورية، ولعل ما قاله الرجل الذي كان الاكثر حماسا في اطاحة تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس، من انه لو كان يعلم بان الاوضاع ستتدهور في بلاده الي هذا الحد لما كان اقدم علي ما اقدم عليه، فالشيطان الذي تعرفه افضل من الذي لا تعرفه مثلما قال بالصوت والصورة في فيلم وثائقي بثته القناة الرابعة البريطانية المستقلة قبل بضعة اشهر.
فاذا كانت الاوضاع في العراق تتحسن، والانتصار بات وشيكا مثلما يردد الرئيس بوش في خطاباته، فلماذا يتشرد خمسة ملايين عراقي نصفهم لجأ الي الاردن وسورية ويعيشون في ظروف صعبة ومؤلمة، ويغادر 50 الف عراقي شهريا حسب احصاءات الامم المتحدة.واذا كان الامريكيون والاوروبيون الذين ايدوا احتلال العراق وتغيير نظامه حريصين فعلا علي الشعب العراقي مثلما كانوا يرددون دائما، فلماذا لا يفتحون ابواب بلادهم لاستيعاب هؤلاء، او تخصيص معونات كافية لتوفير لقمة العيش والخدمات الاساسية لهم في الدول المجاورة؟الرئيس بوش يبحث عن كبش فداء لسياساته الفاشلة في العراق، ولذلك يلقي بالمسؤولية علي السيد المالكي، وعلي الشعب العراقي نفسه، وكأن هذا الشعب في افضل احواله، ويملك ادوات التغيير، مثله مثل الشعب الامريكي، الذي يملك مؤسسات دستورية راسخة، وحريات ديمقراطية متجذرة، وصحافة حرة.
ارتباك الرئيس بوش، بين سحب الثقة بحكومة المالكي، ثم تجديدها في غضون يومين فقط، هو بمثابة رصاصة الرحمة علي الرجل وحكومته، لانه سيدفع الجماعات المعارضة له، مثل التكتل السني والجماعة الصدرية وحزب الفضيلة الي التشدد في مواقفهم، ورفع سقف مطالبهم، كما سيعطي انطباعا لفصائل المقاومة العراقية بان انتصارها بات وشيكا، وهو كذلك فعلا.
الأرجح ان الرئيس بوش يحاول المناورة لكسب بعض الوقت، انتظارا لصدور تقرير الجنرال بترايوس قائد القوات الامريكية في العراق، المتوقع في منتصف الشهر المقبل، ومن المؤكد انه سيؤشر الي انهيار مشروع الاحتلال الامريكي في العراق، وسيؤكد هزيمة الرئيس بوش وادارته.
هذا الارتباك من قبل رئيس الدولة الاعظم في العالم، يعكس حقيقة مأزق الادارة الامريكية في العراق، وهو مأزق يتفاقم صعوبة يوما بعد يوم، ولا يوجد اي امل بمخرج سريع او حتي بطيء منه.خيارات الرئيس بوش تبدو محدودة جدا، ان لم تكن معدومة، فاستراتيجيته الجديدة التي كانت آخر طلقة في جعبته، وتمثلت بزيادة عدد القوات الامريكية في العراق (30 الف جندي اضافي) لم تحقق اي تقدم حقيقي علي صعيد وقف اعمال العنف التي تحصد ارواح العراقيين، وتدفعهم للهروب الي مناطق آمنة في دول الجوار.
واذا حققت تقدما طفيفا في العاصمة بغداد، فان الهجمات تضاعفت في المحافظات الاخري، لان الذين يقفون خلفها انسحبوا اليها، وهذا ما يفسر مجزرة الايزيديين في منطقة الموصل واغتيال اثنين من ابرز المحافظين في مناطق كانت تعتبر شبه آمنة مثل محافظتي المثني والقادسية.السيد المالكي يترأس حكومة مهلهلة، تعيش عزلة غير مسبوقة، ولا تحظي بأي تأييد حقيقي في اوساط اقرب الحلفاء اليها، فنصف وزرائها اما انسحبوا منها رسميا، مثل وزراء الجماعة الصدرية وتكتل الوفاق السني، وحزب الفضيلة، او مقاطعين لاسباب متعددة. وهذه حكومة من المفترض ان تحقق المصالحة الوطنية وتعكس جميع ألوان الطيف السياسي العراقي او معظمها.
هناك شبه اجماع في اوساط المسؤولين الامريكيين علي فشل السيد المالكي في مهمته، فجميع وعوده في تحقيق الامن، وانجاز المصالحة الوطنية، ودفع عجلة التنمية لم تترجم عمليا علي الارض، بل ما حدث هو العكس تماما، فإلي جانب انسحاب الكتل السياسية الفاعلة من الحكومة، تزايدت الهجمات التي تستهدف مدنيين، وتجلي فشل القوات الامنية التي من المفترض ان تستلم المسؤولية في حال حدوث انسحاب امريكي، في هروب نصف منتسبيها علي الاقل، وبيعهم اكثر من 190 الف قطعة سلاح تسلمها هؤلاء من القوات الامريكية، ذهب معظمها الي قوات المقاومة او الميليشيات الطائفية باعتراف القيادة العسكرية الامريكية نفسها.
قوة السيد المالكي تتجسد في ضعفه، وعدم وجود اي بديل مناسب او حتي غير مناسب له، وهذا هو سبب الارتباك الامريكي تجاهه، فالسناتور الامريكي كارل ليفين رئيس لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس وأحد ابرز قادة الديمقراطيين طالب باسقاطه، والسفير الامريكي في بغداد رايان كروكر طفح كيله فيما يبدو، وخرج بتصريحات علنية قال فيها ان التقدم السياسي في العراق مخيب للآمال، وان الدعم الامريكي لحكومة المالكي ليس صكا علي بياض ، ولكن هؤلاء جميعا لا يملكون غير الكلام، وترديد ما يردده معظم المراقبين، ويبدون عاجزين تماما عن فعل اي شيء.
الرئيس بوش قال ان اسقاط حكومة المالكي شأن خاص بالعراقيين ولا يخص الساسة الامريكيين ، سبحان الله، وكأن العراقيين هم الذين وضعوا اسس العملية السياسية الحالية التي جاءت بحكومة المالكي الطائفية، وهم ايضا الذين يديرون شؤون بلادهم، واختاروا وجود مئتي الف جندي اجنبي علي تراب بلادهم معظمهم من الامريكيين وحلفائهم البريطانيين.
الطريقة الوحيدة لاسقاط حكومة المالكي هي في اجراء انتخابات تشريعية جديدة، وهذا امر شبه مستحيل، لعدة اسباب ابرزها فقدان ثقة العراقيين بالعملية السياسية الحالية وكل ما تفرع عنها من مؤسسات، فالديمقراطية المزعومة باتت مرتبطة في اذهانهم بالخديعة وانعدام الأمن، وتصاعد اعمال العنف والارهاب، والحرب الاهلية الطائفية، والتطهير العرقي، والميليشيات الدموية، وفرق الموت، والتعذيب والبطالة ومليون قتيل علي الاقل منذ قدومها مع قوات الاحتلال الامريكي.
العراقيون في الماضي كانوا ينخدعون بكلمة الديمقراطية والانتخابات العامة الحرة، التي ادمن المسؤولون الامريكيون ترديدها، لانهم اعتقدوا انها ستجلب لهم الأمان والرخاء، ولكن بعد ان شاهدوا ما حل في بلادهم من خراب وتمزيق، وبعد ان رأوا الساسة الفاسدين الذين انجبتهم هذه الانتخابات وعمليات النهب العلنية التي مارسوها لثروات البلاد، كفروا بهذا المصطلح، وباتوا يحنون، او معظمهم الي ايام الدكتاتورية، ولعل ما قاله الرجل الذي كان الاكثر حماسا في اطاحة تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس، من انه لو كان يعلم بان الاوضاع ستتدهور في بلاده الي هذا الحد لما كان اقدم علي ما اقدم عليه، فالشيطان الذي تعرفه افضل من الذي لا تعرفه مثلما قال بالصوت والصورة في فيلم وثائقي بثته القناة الرابعة البريطانية المستقلة قبل بضعة اشهر.
فاذا كانت الاوضاع في العراق تتحسن، والانتصار بات وشيكا مثلما يردد الرئيس بوش في خطاباته، فلماذا يتشرد خمسة ملايين عراقي نصفهم لجأ الي الاردن وسورية ويعيشون في ظروف صعبة ومؤلمة، ويغادر 50 الف عراقي شهريا حسب احصاءات الامم المتحدة.واذا كان الامريكيون والاوروبيون الذين ايدوا احتلال العراق وتغيير نظامه حريصين فعلا علي الشعب العراقي مثلما كانوا يرددون دائما، فلماذا لا يفتحون ابواب بلادهم لاستيعاب هؤلاء، او تخصيص معونات كافية لتوفير لقمة العيش والخدمات الاساسية لهم في الدول المجاورة؟الرئيس بوش يبحث عن كبش فداء لسياساته الفاشلة في العراق، ولذلك يلقي بالمسؤولية علي السيد المالكي، وعلي الشعب العراقي نفسه، وكأن هذا الشعب في افضل احواله، ويملك ادوات التغيير، مثله مثل الشعب الامريكي، الذي يملك مؤسسات دستورية راسخة، وحريات ديمقراطية متجذرة، وصحافة حرة.
ارتباك الرئيس بوش، بين سحب الثقة بحكومة المالكي، ثم تجديدها في غضون يومين فقط، هو بمثابة رصاصة الرحمة علي الرجل وحكومته، لانه سيدفع الجماعات المعارضة له، مثل التكتل السني والجماعة الصدرية وحزب الفضيلة الي التشدد في مواقفهم، ورفع سقف مطالبهم، كما سيعطي انطباعا لفصائل المقاومة العراقية بان انتصارها بات وشيكا، وهو كذلك فعلا.
الأرجح ان الرئيس بوش يحاول المناورة لكسب بعض الوقت، انتظارا لصدور تقرير الجنرال بترايوس قائد القوات الامريكية في العراق، المتوقع في منتصف الشهر المقبل، ومن المؤكد انه سيؤشر الي انهيار مشروع الاحتلال الامريكي في العراق، وسيؤكد هزيمة الرئيس بوش وادارته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق