منحت المؤسَّسة الدوليَّة لإعلام المرأة جائزة الشجاعة لعام 2007 لمجموعة من الصحفيَّات العراقيَّات . والعراق واحد من أكثر الأماكن خطوة في العالم بالنسبة للصحفيين، إذ أنًّ أكثر من 100 صحفي قُتلوا هناك منذ غزو البلاد بقيادة الولايات المتَّحدة الأمريكية عام 2003، وكان معظم الضحايا من العراقيين.
الصحفية العراقية سحر هي إحدى الفائزات بالجائزة، وهي تعمل في مكتب بغداد في شبكة مكلاتشيز الأمريكية للأخبار . أدناه مقابلة أجراها معها جورج آرني من الخدمة العالمية في هيئة الإذاعة البريطانية لبرنامج "العالم اليوم.
لماذا أصبحت صحفيَّة؟
كان ذلك عندما فكَّرت أنَّه لم يكن يقال الكثير وأنَّ حجم الضرر الذي تكبَّدته البلاد لم يكن واضحا-إذ لم يكن يمكن تقدير ذلك من قبل العديد من الأشخاص لأنًّه لم يكن لديهم ما نملك نحن من معلومات، وهم بطبيعة الحال لا يمكن أن يعلموا ما هي الأشياء التي خسرناها.
لا بدَّ أنَّك تواجهين خطرا خاصَّا كصحفيَّة ميدانيَّة، فما هي نوعيَّة الضغوط التي تتعرضين لها؟
تلك الضغوط التي لا يمكن للمرء حقيقة أن يتوقعها. يتعيَّن عليَّ أن أظلَّ مجهولة الهوية. فحالما يصبح وجهي مألوفا، ومعروفا كصحفية، فسوف يتم استهدافي. الأمور التي تجري بالسرِّ والمخادعة في العراق متعددة، والكثير من الأشياء التي تجري ليست صحيحة. وآخر شيء يريده الناس هو إرسال مراسل إلى الميدان.
وعندما أقول الناس، فأنا أعني أي مراكز قوى، سواء كانت داخل الحكومة أو خارجها، دولية أم إقليمية. أنت مجرَّد أنَّك لا تعلم من هو الذي لا يريدك أن تكون هناك في مثل تلك اللحظة.
عندما تقولين إنك تبقين مجهولة الهوية، فأنت تعنين أنك لا تَدعين أي شخص يعرف أنك صحفية، أم أنك لا تَدعين أحدا يعلم أنك تعملين لصالح مؤسسة أخبار أمريكية؟
في الواقع، كلا الأمرين معا. فجيراني وأسرتي وعائلتي الممتدة بالطبع، لا فكرة لديهم البتة عمَّا أقوم به
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر يبدو من الصعوبة بمكان أن تتخفَّين. كيف تعللين غيابك المتكرر وخروجك لتغطية حدث أو قصة؟ كيف تحتفظين بذلك السر أمام الأصدقاء والجيران؟
هذا جزء من التركيبة الاجتماعيَّة المتفكِّكة في العراق. ففي السابق، كان الناس على صلة وطيدة ببعضهم البعض، فنحن مجتمع يهتم عادة بالعائلة. لكن منذ الحرب بالكاد يرى أفراد العائلة بعضهما بعضا، أحيانا من سنة إلى أخرى.
أمَّا إذا كان الشخص من الذكاء إلى درجة أنه يستطيع الوصول إلى موقع مكلاتشيز على الإنترنت ويصل إلى إسمي، فعليه أوَّلا أن يقرأ ما كتبته. أنا أعتمد على أنَّ مثل هذا الشخص سيرسل إلىَّ باقة من الورد بعد قراءته لما كتبته، بدل أن يفعل أي شيء آخر ضدِّي، وآمل أن أكون محقَّة بذلك.
إذن أنت تعتمدين على ذكاء الناس وحسن نواياهم، وعلى أمل أنهم سيتأثرون بالكلمات التي تكتبين. هذا يعني أن الخطر دقيق لدرجة أنَّك تعيشين على أمل النجاة بنفسك
نعم إن الأمر غاية في الصعوبة والخطر حقيقي جدَّاً جدَّاً. ولكن يجب إخبار القصة وتقديم التضحيات
هل لك أن تعطينا فكرة عن يوم عادي في حياتك يا سحر. أنت تلاحقين قصَّة صحفية، فكيف تعالجين الموضوع أوَّلا بأوَّل
يبدأ اليوم بالطبع بالوصول إلى العمل. نغادر المنزل ونذهب عبر نقاط التفتيش. من الجيد للغاية أن تكون معروفا كمثقَّف... لذك أبدأ بكسب عطف وحنان الأشخاص العاملين على نقاط التفتيش، مستخدمة لهجة هي غير لهجتي حينا، ومرتدية ملابس هي ليست ملابسي الاعتيادية-كوسيلة تمويه وخداع لتغطية شخصيتي الحقيقية-حينا آخر.
بعد ذلك تبدأ الأمور الجديَّة. فإذا كان لدي مهمَّة داخل المنطقة الخضراء، فلأمر يكون أسهل لأنَّ الصحفيين الأمريكيين أنفسهم يستطيعون الذهاب إلى هناك لإنجاز المهمة.
أمَّا إذا كانت المهمَّة خارج المنطقة الخضراء، أي في شوارع المدينة، فبالعادة يتم إرسالنا نحن العراقيين للتغطية لأننا نعالج الوضع بشكل أفضل، كوننا عراقيين بطبيعة الحال.
وكيف تتعاملون مع الضغط؟
أحاول قدر الإمكان عدم التفكير به. وإن فكَّرت بالسلامة الشخصية، فسأجلس في البيت وأوصد باب منزلي ولن أخرج حتَّى للتسوُّق
لست متفاجئا. ولكن عندما تجلسين وتفكرين بالأمر، فهل تعتقدين أن الأمر برمته يستحق كل ما تقومين به، ما هو تعليلك لإقدامك على تعريض نفسك لمثل هذا الخطر؟
بالنسبة لي، الجواب هو نعم نعم هناك مبرِّر، لأن المواضيع التي تُغطَّى في الوقت الراهن هي تلك التي تعتمد على الإحصائيات، وليس تلك التي تتعلَّق بالأشخاص.
وإن لم تحصل على القصص التي تدور حول الأشخاص، أي إن لم يدرك الناس أن موت علي أو محمد أو سالم هو تماما كموت جون أو أندرو أو أي شخص آخر، إن لم تتبلور مثل تلك القصص، فلا أحد سيرفع صوته عاليا سعيا لوضع حدّ للمذبحة في بلدي.
BBC
01.11.2007
الصحفية العراقية سحر هي إحدى الفائزات بالجائزة، وهي تعمل في مكتب بغداد في شبكة مكلاتشيز الأمريكية للأخبار . أدناه مقابلة أجراها معها جورج آرني من الخدمة العالمية في هيئة الإذاعة البريطانية لبرنامج "العالم اليوم.
لماذا أصبحت صحفيَّة؟
كان ذلك عندما فكَّرت أنَّه لم يكن يقال الكثير وأنَّ حجم الضرر الذي تكبَّدته البلاد لم يكن واضحا-إذ لم يكن يمكن تقدير ذلك من قبل العديد من الأشخاص لأنًّه لم يكن لديهم ما نملك نحن من معلومات، وهم بطبيعة الحال لا يمكن أن يعلموا ما هي الأشياء التي خسرناها.
لا بدَّ أنَّك تواجهين خطرا خاصَّا كصحفيَّة ميدانيَّة، فما هي نوعيَّة الضغوط التي تتعرضين لها؟
تلك الضغوط التي لا يمكن للمرء حقيقة أن يتوقعها. يتعيَّن عليَّ أن أظلَّ مجهولة الهوية. فحالما يصبح وجهي مألوفا، ومعروفا كصحفية، فسوف يتم استهدافي. الأمور التي تجري بالسرِّ والمخادعة في العراق متعددة، والكثير من الأشياء التي تجري ليست صحيحة. وآخر شيء يريده الناس هو إرسال مراسل إلى الميدان.
وعندما أقول الناس، فأنا أعني أي مراكز قوى، سواء كانت داخل الحكومة أو خارجها، دولية أم إقليمية. أنت مجرَّد أنَّك لا تعلم من هو الذي لا يريدك أن تكون هناك في مثل تلك اللحظة.
عندما تقولين إنك تبقين مجهولة الهوية، فأنت تعنين أنك لا تَدعين أي شخص يعرف أنك صحفية، أم أنك لا تَدعين أحدا يعلم أنك تعملين لصالح مؤسسة أخبار أمريكية؟
في الواقع، كلا الأمرين معا. فجيراني وأسرتي وعائلتي الممتدة بالطبع، لا فكرة لديهم البتة عمَّا أقوم به
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر يبدو من الصعوبة بمكان أن تتخفَّين. كيف تعللين غيابك المتكرر وخروجك لتغطية حدث أو قصة؟ كيف تحتفظين بذلك السر أمام الأصدقاء والجيران؟
هذا جزء من التركيبة الاجتماعيَّة المتفكِّكة في العراق. ففي السابق، كان الناس على صلة وطيدة ببعضهم البعض، فنحن مجتمع يهتم عادة بالعائلة. لكن منذ الحرب بالكاد يرى أفراد العائلة بعضهما بعضا، أحيانا من سنة إلى أخرى.
أمَّا إذا كان الشخص من الذكاء إلى درجة أنه يستطيع الوصول إلى موقع مكلاتشيز على الإنترنت ويصل إلى إسمي، فعليه أوَّلا أن يقرأ ما كتبته. أنا أعتمد على أنَّ مثل هذا الشخص سيرسل إلىَّ باقة من الورد بعد قراءته لما كتبته، بدل أن يفعل أي شيء آخر ضدِّي، وآمل أن أكون محقَّة بذلك.
إذن أنت تعتمدين على ذكاء الناس وحسن نواياهم، وعلى أمل أنهم سيتأثرون بالكلمات التي تكتبين. هذا يعني أن الخطر دقيق لدرجة أنَّك تعيشين على أمل النجاة بنفسك
نعم إن الأمر غاية في الصعوبة والخطر حقيقي جدَّاً جدَّاً. ولكن يجب إخبار القصة وتقديم التضحيات
هل لك أن تعطينا فكرة عن يوم عادي في حياتك يا سحر. أنت تلاحقين قصَّة صحفية، فكيف تعالجين الموضوع أوَّلا بأوَّل
يبدأ اليوم بالطبع بالوصول إلى العمل. نغادر المنزل ونذهب عبر نقاط التفتيش. من الجيد للغاية أن تكون معروفا كمثقَّف... لذك أبدأ بكسب عطف وحنان الأشخاص العاملين على نقاط التفتيش، مستخدمة لهجة هي غير لهجتي حينا، ومرتدية ملابس هي ليست ملابسي الاعتيادية-كوسيلة تمويه وخداع لتغطية شخصيتي الحقيقية-حينا آخر.
بعد ذلك تبدأ الأمور الجديَّة. فإذا كان لدي مهمَّة داخل المنطقة الخضراء، فلأمر يكون أسهل لأنَّ الصحفيين الأمريكيين أنفسهم يستطيعون الذهاب إلى هناك لإنجاز المهمة.
أمَّا إذا كانت المهمَّة خارج المنطقة الخضراء، أي في شوارع المدينة، فبالعادة يتم إرسالنا نحن العراقيين للتغطية لأننا نعالج الوضع بشكل أفضل، كوننا عراقيين بطبيعة الحال.
وكيف تتعاملون مع الضغط؟
أحاول قدر الإمكان عدم التفكير به. وإن فكَّرت بالسلامة الشخصية، فسأجلس في البيت وأوصد باب منزلي ولن أخرج حتَّى للتسوُّق
لست متفاجئا. ولكن عندما تجلسين وتفكرين بالأمر، فهل تعتقدين أن الأمر برمته يستحق كل ما تقومين به، ما هو تعليلك لإقدامك على تعريض نفسك لمثل هذا الخطر؟
بالنسبة لي، الجواب هو نعم نعم هناك مبرِّر، لأن المواضيع التي تُغطَّى في الوقت الراهن هي تلك التي تعتمد على الإحصائيات، وليس تلك التي تتعلَّق بالأشخاص.
وإن لم تحصل على القصص التي تدور حول الأشخاص، أي إن لم يدرك الناس أن موت علي أو محمد أو سالم هو تماما كموت جون أو أندرو أو أي شخص آخر، إن لم تتبلور مثل تلك القصص، فلا أحد سيرفع صوته عاليا سعيا لوضع حدّ للمذبحة في بلدي.
BBC
01.11.2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق