رأي في السياسة

آخر العناوين...

10‏/4‏/2010

"الخلع " (بضم الخاء) على الطريقة "القرغيزستانية"




قرغيزستان ، ذات الأغلبية الساحقة المسلمة والبلد الصغير الذي تعرض في السابق إلى سياسات التهجير و التهميش و التجويع ومحاولات التذويب ، ليتعرض مرة أخرى لنفس الأسلوب و إن اختلفت العناوين والأساليب .
هذا الشعب يبدو أنه رسخ ثقافة و مفهوما جديدا للعلاقة بين الشعب ومن وكله لتسيير شؤونه ، أو بالأحرى صحح هذا المفهوم من الانحراف. و صحح أن الشعب هو مصدر التشريع ومصدر مراقبة و أيضا " الـخُـلْـع " ،إن اقتضى الأمر. و صحح أيضا أن السلطة التنفيذية ما هي إلا توكيل خاضعة للإرادة من وكلها . هذا الشعب استخدم صلاحيته عندما اجبر رئيس الدولة على الفرار و الاختفاء عن الأنظار لإخلاله بدفتر شروط التوكيل .
رئيس من المفروض موكل من الشعب ، وبالمفهوم القانوني و المنطقي لكلمة "توكيل" هو أن الموكل يخضع لمن وكله وليس العكس ، ليصبح رمز التكبر و التجبر و ليعيش في نعيم الحياة ويترك الموكل يسارع الفقر و العوز والمرض. مشجعا الانحراف والفساد والمحسوبية، ونهب المال العام وقمع و لجم الأفواه بالنار و الحديد والتزوير وتهيئة الأبناء للتوريث ، ليحول الدولة من مفهومها الأصلي إلى مجرد عقار قابل للبيع و الشراء والتنازل عنه بجرة قلم...
أحسن مثال على ذالك ، استئجار القواعد لمن يدفع أكثر ، وكان هذا مقبول ومنطقي لو كانت تلك الأموال تذهب للخزينة العامة ليستفيد منها الشعب . لكن تلك الأموال كانت تحول إلى الجيوب الخاصة للرئيس و زمرته المتنفذة . يقابله رفع الأسعار لرفع درجة الجوع و الحرمان وبطالة التي وصلت إلى معادلاتها القياسية لدرجة عجزت معها البطون على تحملها .وكانت هذه العوامل الأساسية للانفجار الكبير ونار أحرقت من كان ينفخ فيها .
ومن العجيب كنا نسمع تسريبات إعلامية أن من كان يقوم بتلك الحركات الاحتجاجية التي أدت إلى مقتل وزير الداخلية و هروب الرئيس ، هم جماعة من الشباب تحت تأثير "الخمور" ، يعني بالمفهوم البسيط "جماعة من السكرانين " فاقدين الوعي ، رغم أن ما قاموا به يدل أنهم في الماضي كانوا "سكرانين" واليوم صحوا ، و يدل على درجة من الصحو والوعي العقلي و الفكري و بأن لهم حقوق في هذا البلد و ثروته .
و العجيب أيضا ، كنا نسمع في الماضي ، عندما يقوم شعب ما بانتفاضة على أوضاعه ، أن أيادي خارجية و عميلة هي من تحرك تلك الاحتجاجات...ولا ندري ماذا نسمع في المستقبل عن أوصاف من يحاول الانتفاضة ضد من يحاول مصادرة البطون و الأفواه...
للتذكير ، هذه ثاني مرة ، في غضون خمسة أعوام ، يستعمل فيه "القرغيزين" هذا الأسلوب ضد رأس السلطة التنفيذية ليذكرونه و من خلاله الذين سيتولون الحكم من بعده أن الشعب هو مصدر السلطة بالفعل و ليس مجرد مواد تزين بها الدساتير و الشعارات فوق المباني الحكومية والرسمية .
لقد هرب الرئيس للنجاة بحياته، وتعرض قصره الحصين للنهب و الحرق على أيادي الشعب جاع فانتفض ، لم تنفع معه لا قنابل مسيلة للدموع و لا رصاص الحي لوقفهم وردعهم . وفوض المعارضة للإجراء انتخابات في غضون ستة أشهر المقبلة ، بدفتر شروط عنوانه "الشعب يعين و يخلع " ( طبعا بضم الخاء) .

ليست هناك تعليقات:

بحث مخصص