"مجموعة أهم الأحداث": تبين في النهاية و بوضوح أن الوضع الليبي مختلف تماما عن الوضع في مصر و تونس بعد أن استطاعت الثورات الشعبية في هذين البلدين من إزاحة الأنظمة القائمة بأقل الخسائر الممكنة ولم يستعينوا بخدمات وطلعات "الناتو" .
أما في ليبيا فيبدو أن جذور النظام القائم منذ أكثر من أربعة عقود أعمق وأعقد مما كان يتصور لا يمكن اقتلاعه بالاحتجاجات وصيحات "الرحيل" في ميدان التحرير و غير التحرير أو بعملية خاطفة و سريعة ، كما كان يعتقد في البداية.
وزاد الوضع ضبابية وتعقيدا تدخل حلف "الناتو" في المشهد مما افقد تلك الثورة بريقها ولمعانها . تدخل تحيط به علامات استفهام و شكوك ، لأن الكل يعرف و يعلم علم اليقين أن هذا الحلف ليست منظمة خيرية- اجتماعية تساعد المظلومين وتنتصر لهم من ظالمهم لوجه الله .
حتى أسلوب التدخل الجوي لهذا الحلف يوحي بأنه خاضع لعمليات حسابية دقيقة و ليس في عجلة من أمره في حسم السريع للنزاع لصالح الثوار الليبيين ويبدو أنه يلعب (الناتو) دور "ضابط الإيقاع" .
بمعنى لا يترك كفة تعلو عن أخرى لإطالة هذه الحرب واستنزاف الطرفين و بالتالي "فاتورة الأتعاب" تزيد مع كل طلعة .
ولتأكيد ذالك ، المتتبع للشأن الليبي يسمع في كل مرة وفي كل مناسبة و غير مناسبة بيانات لدول المشاركة تحت قيادة "الناتو" فيما يعرف "حماية المدنيين" تذكر السامعين من خلال تلك البيانات بالمبالغ الضخمة التي تصرف و صرفت حتى الآن في هذه العمليات الجوية .
بمعنى تذكير الشعب الليبي عليه دفع ثمن إلقاء عليه القنابل جوا من طائرات "الناتو" ، وان تلك القنابل التي تقتل الليبيين ، بغض النظر إن كانوا من هذا الجانب أو من جانب الآخر ، وتدمر مبانيهم و منشاتهم ، ليست بالمجان ...
والخوف كل الخوف أن هناك في الأفق صومال جديد ليضاف لما هو قديم . هذا الأخير (يعني الصومال) ، بعد زوال النظام المركزي لسياد بري الذي كان يوصف (الضمة على الياء) ، بالمستبد ، ليعرف بعد ذالك أنظمة أكثر استبداد المتمثلة بأمراء الحرب أدخلوا البلاد ، منذ أكثر من عقدين ، في متاهات لا يعرف كيف يتم الخروج منها ، وليس هناك أي أمل بأن البلاد ستعرف استقرارا قريبا.
وكما هو معروف الولايات المتحدة لعبت دورا بارزا في ذالك ، آخرها عندما كاد الوضع أن يستقر جزت بالأثيوبيين ، نيابة عنها ، في هذا البلد الممزق أصلا لعدم ترك الأمور تستقر. ربما نفس السيناريو سيشهده الوضع الليبي ، وخاصة أن الولايات المتحدة هي الناتو و العكس أيضا صحيح.
والحادث الأخير الذي عرفته ليبيا بمقتل الغامض و المخيف لقائد أركان المعارضة التي تقاتل نظام القائم يعطي شرعية قوية على هذا التخوف من أن تنزلق ليبيا من حكم مركزي مستبد في أعين معارضيه إلى دولة "لا قانون و لا نظام" ، كما هو حاصل تماما في الصومال.
والكل واحد يطبق القانون بطريقته الخاصة، كما حصل للواء عبد الفتاح يونس ، كما أكدت قيادة المعارضة في بنغازي إن أعضاء بأحد فرقها المسلحة هم من قتلوا قائد أركان ، أطلق عليهم "مقاتلون مارقون" . ولم يكتفوا بقتله و إنما حرقه .
بمعنى ، أن تلك الجماعة تطبق القانون بطريقتها الخاصة و ليست حاجة إلى قضاء و محاكمة وتصديق عليه من الهيئة التي تسير البلاد ، هذه الأسباب بالذات التي تقول المعارضة أنها تناضل من أجلها ، أي دولة القانون .
بمعنى أوضح وبهذا المنوال سيتم استبدال نظام مركزي بأنظمة لامركزية ولكل نظام أميره ولكل "أمير" قانونه الخاص ، يصبح النظام المركزي السابق ، الذي يقال عنه "مستبد" ، في أعين المواطنين العاديين أشفق وأرحم ... وهذا هو ، ربما، المصير الذي ينتظر الليبيين على قاعدة المستقبل "باين من عُنْوَانُ " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق