رأي في السياسة

آخر العناوين...

25‏/8‏/2017

واقع ظهور الدولة الكردية ...

واقع ظهور الدولة الكردية ...

الأكراد ، بدون أدنى شك تأكدوا أن حلمهم التاريخي لإنشاء وطن قومي لهم هو بين قوسين أو أدنى من ذلك بكثير لتحقيقه . لذلك هم حريصون كل الحرص على عدم تضييع هذه الفرصة التاريخية الاستثنائية التي لن تتكرر كثيرا لتحقيق الحلم الكبير الذي يسمونه "كردستان الكبرى" ...  
إذا كان الأكراد العراق عمليا أعلنوا عن قيام دولتهم شمال العراق ، فقط تبقى المسائل الشكلية الإدارية التي  هي بصدد الانتهاء منها ، كإجراء استفتاء الذي هو شكلي بروتوكولي ...
 لأن لا يعقل أن تكون نتيجة استفتاء خارجة عن نسبة ، على الأقل ،  قريبة من المائة بالمائة المؤيدين للاستقلال و الانفصال عن الدولة الحاضنة لهم منذ التقسيم أوائل القرن الماضي. مستغلين فرصة الغزو الأمريكي وتمزيق العراق عرقيا و اثنيا وحتى طائفيا ...
هذا عن جانب أكراد العراق ، أما أكراد سوريا فالحرب الأهلية الضروس المشتعلة هناك أصبحت فرصة لهم ، كما كان غزو العراق فرصة للأكراد العراق...
وهم يعملون جادين كي  لا   يضيعوا الفرصة للالتحاق بما وصلوا إليه أشقائهم في العراق وبدأوا في توسيع مناطق نفوذهم تحسبا ليوم وقف القتال ويبدأ فيه تقسيم الغنائم...
حتى أنهم (أي أكراد سوريا )  ، كما تشير وسائل الإعلام العالمية ، بدأوا من الآن في ترسيخ أسس دولتهم القادمة ، على الأقل من الناحية العسكرية لفرض أمر الواقع بالقوة وهم يدركون أن لا وجود بدون قوة ، لتكون نواة لمؤسسات يسميها أكراد سوريا "فيدرالية شمال سوريا"...
وتشير  المصادر الإعلامية المتتبعة للشأن الكردي  ، عن افتتاح أول  كلية حربية على مستوى شمال سورية ، وهذا ما يؤكد عزم هؤلاء على تنفيذ حلمهم القديم والانفصال عن الدول الذين اجبروا على إلحاقهم بها في التقسيم تركة "الرجل المريض"،  ألا وهي الدولة العثمانية ...
هذا عن جانب أكراد العراق و سوريا .  إذا كان الأول ، أي أكراد العراق ،  هم على خط الوصول تحقيق الحلم ، أكراد سوريا هم  على بعد خطوات من الالتحاق بإخوانهم أكراد العراق...
يبقى المشكل في أكراد تركيا و أكراد إيران . الوضع يختلف كليا وحظهم ليس كحظ أكراد العراق و سوريا . هما ، أي أكراد تركيا و إيران ، يخضعان تحت نظاميين مركزيين قويين ولم يستفيدوا كما استفاد إخوانهم في مناطق الصراع . ولا يعرف كيف يكون حالهم على الأقل في المستقبل المنظور...
لأن لا نظام التركي أو إيراني ،  يقبل حتى تفكير في تفريط بجزء من أراضيهم تحت أي مسميات . إلا إذا حدثت تطورات غير متوقعة و امتد النزاع المسلح ليشمل كل المنطقة ، في ذلك الوقت يصبح كل شيء ممكن ، كما حدث في سيناريو العراق و سوريا...
قد يتسأل   المرء ما هي التطورات الإستراتيجية التي حدثت حتى مكنت أكراد المنطقة من الحصول على هذه الفرصة التاريخية لتعويض عن حقهم المهضوم  في تكوين دولة خاصة بهم كباقي الشعوب المنطقة الذين ألحقوا  بها غصبا عنهم...
التطور المهم هي الرغبة الإسرائيلية في تعويم المنطقة ونزع عنها ، على الأقل ،  الرابط القومي   لأن  الدولة العبرية تعتبر نفسها موجودة في وسط حقل قومي  كبير ملغم وهي مدركة أن تلك الألغام ستنفجر يوما لتردم وجودها الأبدي...
لذلك هي استعانت بمخطط تقسيم المنطقة القديم ووضعت إصبعها على الجرح الكردي ورأت فيه القنبلة الزمنية الموقوتة وحان وقت تفجيرها...
وظهور دولة أو أقاليم كردية مستقلة عن الدول المنطقة و بالخصوص العربية ، يفكك عنها تلك الألغام المحيطة بها  .  لأنها تدرك ( أي الدولة العبرية) ، أن الصراع لن ينتهي بمجرد حصول الأكراد على الانفصال ...
 بل يكون بداية صراع مرير بين الأكراد و الدول التي انفصلوا عنها بسبب ترسيم الحدود وتقسيم  الثروات بالأخص الباطنية .  و أيضا الصراع الداخلي  بين الأكراد أنفسهم على السلطة و النفوذ ...
بمعنى المبسط ، ستحيط إسرائيل نفسها بجزر ملتهبة تكون هي الوحيدة التي تملك وسائل الإطفاء . وتلعب نفس دور رجال إطفاء في إيطاليا الذين يشعلون النيران من أجل إطفائها لقبض الثمن...
وثمن إسرائيل هنا هو آمنها الاستراتيجي و الوجودي لتكون هي السيدة في منطقة متفككة متناحرة فيما بينها دمائها تصل إلى "ما فوق  الركبة" ...
هذا المخطط هو يدخل ضمن المخطط الشهير "الشرق الأوسط الجديد" ، أو ملحقاته "الفوضى الخلاقة "،  أو بالعامية "خلطها لكي لا  تصفى" ...
 صاحب هذا المخطط الاستراتيجي هي إسرائيل ، كما هو مذكور آنفا  ، لكن إخراج و تنفيذ السيناريو كان من نصيب الولايات المتحدة...
أولى حلقات هذا السيناريو ، كان غزو و تفكيك العراق تولد عنه ظهور الدولة الكردية الموعودة في شماله . ثم ما هو حاصل في سوريا في حرب تدميرية لدولة مركزية على حدودها لتصبح عما قريب دويلات متنافرة عرقيا ، طائفيا و حتى مذهبيا وتصبح إسرائيل هي كبيرتهم وعمدتهم تقوي الجهة على جهة كلما اختل  ميزان القوى لجهة على جهة أخرى ...
وتبقى مشكلة إسرائيل الصعبة تتمثل في نظام التركي وهي ترى في سلطان سليمان جديد يظهر للوجود المتمثل في "النظام الأردوغاني" ، الذي يختلف كثيرا عن الأنظمة العسكرية التركية التي كانت تتعامل معها منذ  الحقبة "الأتاتروكية"...
وإسرائيل بفضل حسها الأمني المفرط بسبب عقدة الضعف المزمنة التي تلاحقها ترى في أرودغان خطرها الاستراتيجي أكبر بكثير من خطر الأنظمة المحيطة بها ...
وقد تكون محاولة الانقلاب العسكرية الأخيرة التي حدثت في تركيا لقلب نظام الحكم ، تدخل في إطار هذا المخطط المذكور ...
 لأن لا يعقل أن يقوم ضباط بهذه المخاطرة الكبيرة لقلب نظام دولة عضو فعال في حلف على وزن حلف شمال الأطلسي بدون تحريض أو مباركة من جهة خارجية لها وزنها الاستراتيجي التي تحمي محاولتهم و تعطيهم الشرعية في حال نجاحهم...
 و القاعدة القانونية تقول إذا لم تعرف الفاعل ابحث عن المستفيد. و المستفيد في  اختفاء نظام أرودغان هي إسرائيل و يصب في صالح القضية الكردية...
قلت مشكلة إسرائيل تركيا و لم أذكر إيران ، لأن إيران بالنسبة لإسرائيل ليست عدوا فإنما هي  خصما . و العداوة تختلف عن الخصومة ، قد  تجد إخوة متخاصمين على مشكل ما و لكنهم  ليسوا أعداء...
وإسرائيل تدرك أن إيران دولة قومية تستعمل الدين لأغراض سياسية وتلك الشعارات "الموت لإسرائيل" و"فيالق تحرير القدس"،  ما هي إلا جسور عائمة كالتي تستخدمها الكتائب الهندسية العسكرية لتمر عليها القوات أثناء القتال أو عند الانسحاب ،  ليتم تدميرها فيما بعد لكي لا تقع في أيادي العدو...  
نفس الشيء ، إيران تستعمل الدين كجسر للعبور منه إلى القلوب الشعوب الإسلامية في إطار تصدير ثورتها الخمينية ، وبعد ذلك  ستفجر تلك الجسور و القلوب بعد الوصول إلى مآربها...
خصومة إسرائيل مع إيران هي خوفها من أن تتمكن إيران من  الحصول على مفاتيح تقنيات إنتاج أسلحة غير تقليدية . لأنها تريد أن تبقى هي الوحيدة  في المنطقة صاحبة العضلات الغير تقليدية...             
بالمختصر المفيد ، ما كان للأكراد المنطقة لينتفضوا لو لم يكون هناك  ضوءا أخضر من الولايات المتحدة ، طبعا بإيحاء من إسرائيل ...
 ويعلنوا عن نيتهم جهرا بأنهم سينشئون دولتهم القومية مستفيدين من دعم عسكري لا مثيل له بحجة محاربة "الإرهاب"...
 و تلك الانتصارات الميدانية  الغير منتظرة لهم في وتقهقر السريع "للخصم" ، كل ذلك هو ضمن المخطط المذكور ، من تأليف الكيان الصهيوني و إخراج الولايات المتحدة . بمشاركة، من حيث يدرون أو لا يدرون، الدول المنطقة ، جهلا أو كرها ...  




بلقسام حمدان العربي الإدريسي
25.08.2017     

             

ليست هناك تعليقات:

بحث مخصص