"مجموعة أهم الأحداث": ما جرى و يجري في الكثير من البلدان العربية يبين بوضوح الأزمة الحادة والعميقة الموجودة بين هذه الشعوب وحكامها . والحوار بينهما لا يكون إلا بأقلام حمراء اللون مدادها دماء و أعراض تلك الشعوب .
شعوب وصلت من النضج و الوعي أصبحت ترى أنها من حقها المشاركة في تقرير مصيرها وحكام مازالوا يعتقدون أن تلك الشعوب ما زالت في مرحلة المراهقة والقصر ولا بد لها من ولي يراعها ووصي يشرف على شؤونها.
العجيب في الأمر أن هؤلاء الحكام أول رد يقابلون بها أي احتجاج ، يكون في بداية بسيط أقصاه المطالبة بالإصلاح ، بقوة الحديد و النار وتتبهدل فيه الناس في الشوارع و حتى في بيوتهم وتسيل الدماء لتكون الحاجز النهائي بين تلك الشعوب و هؤلاء الحكام . تلك الدماء تصبح وقودا تزيد النار اشتعالا و التهابا وتكون الغلطات القاتلة لتلك الأنظمة .
والغريب بعد أن توصل الأمور إلى هذا الحد وتقطع شعرة معاوية وترفع شعارات "الشعب يريد رحيل النظام "بعد أن كان في أول المطالبة فقط بالإصلاح ، يبدأ هذا أو ذاك النظام يتحدث عن الإصلاح وانه أمر ضروري. كأن الإصلاح شجرة لا تسقى إلا بدموع ودماء الشعوب .
والغريب أيضا ورغم أن العالم دخل في تطور لا سابق له وبفضل التكنولوجيا التي تسابق الزمن في تطورها المذهل وبفضلها أنكشف "المستور" والغي تماما من القواميس كلمات "سري" و "سري للغاية" ،وما شابه ذالك...
إلا أن بعض من الأنظمة العربية التي يبدو أن طول بقاءها في الحكم افقدها أو أنساها أن تتكيف مع هذا التطور تتعامل مع شعوبها كما يعاملون الآباء و الأمهات صغارهم ، عندما تكون عقولهم مقاس أجسامهم ، بأن عليهم "السكوت" و "الانضباط" وعدم الإزعاج والكف عن الطلبات الزائدة أو سيأتيهم "الغول" ليلا ليأكلهم .. .
تماما كما نسمع بعد كل انتفاضة هنا أو هناك أن من تحركها "أيادي خارجية" هدفها "ضرب " الاستقرار وأمن البلد ، ولتأكيد ذالك تسارع السلطات الأمنية في ذالك البلد المضطرب إظهار صور أسلحة ومتفجرات ومنشورات تحريضية مكدسة و مخبأة في المساجد و غير مساجد ... وبيانات وصور لأشخاص تقول أنهم مندسين وهم من يحركوا "الفوضى" لضرب امن و استقرار البلد...
ولا يعرف كيف أن تلك الأجهزة التي تفاخر في السر و العلن أنها مسيطرة تماما على الوضع وأن بفضلها أمن ذالك البد مستقر وفي مأمن من أي مخاطر خارجية أو داخلية وأنها (أي تلك الأجهزة) بإمكانها معرفة مسبقا ما يحلم به النائمون في أحلامهم ، كيف لها لا تعلم بذالك إلا عند حدوث الاحتجاج و ينتفض الناس.
وأكبر غلطة قاتلة يرتكبها أي نظام وتستعجل رحيله لجوئه إلى الأساليب القمعية القاسية في مواجهة بداية اضطرابات تواجه مع شعبه . في ذهن ذاك أو ذالك النظام أن هذا الأسلوب في القمع المفرط سيخنق في المهد تلك الاحتجاجات قبل أن تخرج عن السيطرة ، على حسب تصوره .
لكن في الحقيقة العكس هو الصحيح ، لو تترك تلك الاحتجاجات السلمية تأخذ مسارها الطبيعي يتنفس من خلالها "الحانقون" عن وضعهم اجتماعي كان أو سياسي أو شيء آخر ...
مع اخذ بعين الاعتبار الأسباب التي أدت إلى تلك الاحتجاجات ومعالجتها بحكمة وتبصر وشفافية ، لكانت النهاية تكون دائما عكس ما حصل للأنظمة كانت تظن أن القمع و الرصاص الحي كفيل بإنهاء الأزمة مع شعوبها .
وإذ بها (الأنظمة) تصبح خبرا لفعل ماضي ناقص نصفها "تتبهدل" في "اللومان" ويجرى محاكمة رموزها حتى وهي على آسرة المستشفيات ونصف الآخر هارب تطارده أحكام قضائية وآخرون تطاردهم مذكرات اعتقال لزيارة "لاهاي"...
وقد أثبتت التجارب السابقة أن أسلوب "كل امني" و"الرصاص الحي" و"التعسف" و"اهانة كرامة الناس" على أرصفة الشوارع وفي الأقبية ، السبب الرئيسي في الانهيار المبكر للأنظمة كانت تظن أن تلك الأجهزة وبطشها أحزمة آمان لها .
وإذ بتلك الأجهزة و" توابعها " تتبخر بعد أن تشتد تلك الانتفاضة وتترك رؤوس النظام تواجه مصيرها المحتوم . ومنها (الأجهزة) حتى من تنقلب للضفة الأخرى عندما تحس بأن الباخرة السابحة على الدماء على وشك الغرق...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق